السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33
اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرًجت عنا .
لك الحمد بالايمان ولك الحمد بالاسلام ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالاهل والمال والمعافاة . فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً ، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
يروى عن علي بن أبي طالب ” رضي الله عنه ” انه قال : كان في الارض أمانان من عذاب الله وقد رفع أحدهما فدونكم الاخر فتمسكوا به : أما الامان الذي رُفع فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واما الامان الثاني فهو الاستغفار . قال تعالى : { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .
لو اردنا ان نعرف الاستغفار فانه طلب المغفرة والمغفرة هي وقاية شر الذنب والمغفرة شيء زائد على الستر لان المغفرة معناها وقاية شر الذنب بحيث لا يعاقب عليه العبد فمن غفر ذنبه لم يعاقب عليه واما مجرد ستره فقد يعاقب عليه في الباطن ومن عوقب على الذنب باطنا أو ظاهرا فلم يغفر له وانما يكون غفران الذنوب اذا لم يعاقب عليه العقوبة المستحقة بالذنب .
ان للاستغفار اهمية عظمى في الاسلام فلقد كثرت الآيات في القران الكريم التي تتكلم عن المغفرة والاستغفار امرا وطلبا ومدحا . ولقد امر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فقال : {وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } . وامر الله المؤمنين به فقال تعالى : { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الى غير ذلك من الايات . ولقد كثرت الأحاديث الصحيحة التي تبين اهمية الاستغفار وثوابه عند الله وحاجة العبد اليه . فقد قال صلى الله عليه وسلم : ” إنه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ” وقال صلى الله عليه وسلم : ” والذي نفسي بيده لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يُذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم ” .
والاستغفار ذو اهمية كبيرة في حياة المسلم لان فضائله كثيرة وبركاته غزيرة وقد أعلى الله شأنه في كتابه العزيز وذكره آمرا المسلمين بالاستغفار في اكثر من ثمان عشرة آية وذكره بصيغة الندب في ست عشرة آية وهذا يدل على عظم منزلته ومحبة الله له من عبده لان به تكشف الكروب وتمحى الذنوب وتستر العيوب وتطهر القلوب وبالاستغفار تنزل البركات من السماء وتكثر الاموال والبنين واعظم من هذا كله ما يحصل في الاخرة من رفعة الدرجات في جنات النعيم والاستغفار عبادة لله عز وجل قائمة بذاتها نتعبد الله بها وقربة من القربات فكل محتاج الى الاستغفار حتى الانبياء والرسل والملائكة عليهم جميعا الصلاة والسلام فهذا نبينا محمد وقدوتنا خير مثل في ذلك فلقد كان يكثر من الاستغفار والعبادة الشيء الذي نحن اشد حاجة اليه لدنو حالنا وضعف ايماننا فكان صلى الله عليه وسلم يلهج بالاستغفار دائما جالسا وقائما فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال : ما رايت احدأ أكثر ان يقول : استغفر الله واتوب اليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ” .
ونحن قبل ذلك كله محتاجون الى الاستغفار بل الى معرفة معانيه واسراره والمحافظة عليه والاكثار منه ففيه الذل لله والانكسار وتجلي العبودية والخضوع للخالق سبحانه . واذا اراد الله سبحانه وتعالى بعبده خيراً فتح له من باب التوبة والاستغفار والندم والانكسار والذل لله والافتقار ودوام التضرع والابتهال ما تكون تلك السيئة سبب في رحمة الله حتى يقول عدو الله ابليس يا ليتني تركته ولم اوقعه فيها .
وقد ذكر الله عن آدم ابي البشر انه استغفر ربه وتاب اليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه اما ابليس أبي الجن فلعنه واقصاه لانه ترك التوبة وتعلق بالقدر فمن اذنب وتاب وندم فقد تشبه بابيه آدم ومن اذنب واصر فقد تشبه بابليس .
فالاستغفار حاجة دائمة للمسلم لاهميته قرن الله عز وجل بينه وبين التوحيد في غير آية كما قال تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } ودعانا الله سبحانه وتعالى عندما نذنب ان نعجل باستغفارة لانه يغفر الذنوب سبحانه لقوله تعالى :
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } وفي حديث انس : يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ” والاستغفار ذو شأن عظيم ومنافع جمة دنيوية واخروية فبه أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمرت امته من بعده بملازمته قال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرَ } وقال تعالى : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } وبالاستغفار ضمنت أمة محمد صلى الله عليه وسلم عدم الاهلاك العام وعدم نزول العذاب قال تعالى : {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وبالاستغفار امر نبي الله صالح قومه وارشدهم اليه قال تعالى : {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } وبالاستغفار ندب نوح قومه ورغبهم بكثرة الامطار والاموال والاولاد فقال : {9} فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً {12} وبالاستغفار دعا هود قومه ووعدهم بحصول الخيرات فقال : {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } وبالاستغفار اعتذروا ابناء يعقوب من ابيهم وطلبوا ان يستغفر لهم قال تعالى : { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ{97} قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } والاستغفار ملازم للتقوى وتابع لها قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ } وبالاستغفار تلطف الخالق سبحانه وتعالى للنصارى عندما قالوا قولتهم الشنيعة ان الله ثالث ثلاثة قال تعالى : { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{73} أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وبالاستغفار زاد داود زلفى من ربه وحسن مآب قال تعالى : { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ{24} فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ } ” وبالاستغفار تغفر الذنوب وتمحى الفواحش والاثام وتحل الرحمات قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } وقال تعالى : {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } . وبالاستغفار تدعوا الملائكة وأكبر الملائكة وأفضلهم عند الله حملة العرش يستغفرون للذين آمنوا قال تعالى : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } ومن هنا نخلص الى عظم مكانة الاستغفار في ديننا الاسلامي وان له شأن هام في جلب كل خير ودفع كل شر قال ابن تيمية : ” اذا احب الله عبدا الهمه التوبة والاستغفار فلم يصر على الذنوب .
فالخالق سبحانه وتعالى يندبنا استغفاره والتعرض لنفحات رحمته وطلب العفو منه وقد وعدنا بالمغفرة فما لنا لا نستغفر وما الذي دهانا نعمل الذنوب ولا نستغفر ان حالنا حري بالاستغفار في كل وقت وحين وفي الصباح والمساء لاننا نذنب كل حين فاسماعنا تذنب وابصارنا تذنب وقلوبنا وجوارحنا تذنب ودواء ذلك كله الاستغفار .
اللهم الهمنا رشدنا واستعملنا في طاعتك والهمنا الاستغفار الصادق وعلم قوبنا والستنا استغفارك في كل وقت وحين واجعلنا ممن يشملهم استغفار الملائكة وتب علينا انك انت التواب الرحيم .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
اللهم القى محبتى فى قلب جميع خلقك بحق قل هو اللة احد اللة الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن لة كفوا احد “اللهم صل الصلاه الكامله وسلم السلام التام على سيدنا محمد النبي الذي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وعلى آله وصحبه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق